ما زلت أقاوم رغبتي الحادة في التقيؤ...
شيءٌ ما يدفعني لأن أكره حياتي بشدة... هاهي الشمس تُشرق على يومٍ جديد من أيام
"كفر" ....
خرجت من البيت قاصدة المكان الوحيد الذي أعرفه أكثر من بيتنا "الجامعة" وبصدفة لم تكون متوقعة أبداً التقيت به... مر عامان كاملان على آخر مرة رأيته فيها... "مصطفى" أو الرجل المجنون كما تُطلق عليه السيدات في البلد, إلا أنه لا يعاني خللاً عقلياً, لكنه يُعاني اضطرابات دماغية.... نعم.... أحياناً يُعاني اضطرابات وهلوسة ويُقدم على تصرفات غير مسؤولة ويثير الذعر والرعب في المنطقة... وإن كان هذا هو وصف الجنون فهو إذاً مجنون لكن (عليه حرج) لأنه ليس مريضاً عقلياً أو نفسياً إنما يعاني خللاً في وظائفه الدماغية بسبب ذلك الشيء الذي يتعاطاه والذي تنحصر معلوماتي عنه في أن اسمه يشبه اسم برشام الصُداع....
قبل عامين... عندما رأيت "مصطفى" لأول مرة كان لقاءً عابراً لكن مُعبراً جداً.... كان كُل شيءٍ في مكانه كما هو الآن... موقف العربيات... والقهوة البلدي... وكان مصطفى واقفا إلى جوار السيارة التي أركبها وعندما مررت من جواره أنا وصديقتي سمعته يقول"ربنا يوفقكم" لا لشيئ غير أننا نحمل كتباً مما يدل على أننا طلبة.. ساعتها احترمته جداً وأدركت أنه ليس سوى انسان عادي طيب القلب ربما جنت عليه الظروف وحوله المجتمع إلى بلطجي لكنه لم يكن كذلك... لم نسمع من قبل أن مصطفى قتل شخص أو تحرش به لكنه كان يثير الذعر... كثيراً ما وقف أمام منزلنا تحديداً (لأنه في موقع استراتيجي جداً) ويهلل ويسب ويخلع ملابسه وبستل "سنجة" ويجري خلف الناس في الشارع.. ويصرخ على أؤلئك الذين تجمعو في البلكونات" خشو جوا".. مقترنة بجرعة مكثفة من السباب... وكنت أنا أراقبه من خلف باب البلكونة حتى لا يراني.. ولا أعرف لما كنت أشعر وكأنني أشاهد فيلم لفريد شوقي... وأشعر برغبة جامحة في التصفيق بعد انتهاء العرض.... وأتخيل أنني سأطلب منه في يوم ما بكل أدب "ممكن تمضيلي ع الاوتوجراف لو سمحت" باعتباره بهلوان في سيرك.... وبالنسبة إلي كان شيء جديداً لأول مره أراه في حياتي.....وكنت أعرف أنه مدمن... فاشفق عليه كثيراً.... كيف وصل هذا الشاب إلى هذه الحالة المزرية.... ثم اختفى مصطفى لنعتقد أنه قُبض عليه فيمن قُبض عليهم بعد أن وضعت الثورة أوزارها وتسلم الجيش حكم البلاد إلا أنه ظهر اليوم ليطيح بكل آمالنا في حياة هادئة وليثير الرعب من جديد...
لم أكن خائفة _طبيعي_ وقفت إلى جوار سيدتين وفتاة .. وجدته يقترب منا ويسأل عما اذا كنا ننتظر سيارة , التفت إليه دوناً عن الباقين وهممت بالإجابة... وجدته يضحك بطريقة هيستيرية مريبة... شيءٌ ما خاطئ في هذا الرجل... أقترب مني كثيراً... بدأت أشعر بالتوتر... بل الخوف.. بل كنت أرتعد من الداخل لكني ساكنة وهادئة جداً من الخارج... يقولون أن الكلاب تستطيع شم راحة الخوف.. لذا يمكنها أن تهاجم الشخص الخائف.. عندما ترى كلباً شرس حاول التفكير بأي شيء آخر.. لا تستسلم للخوف.. تحكم في ضربات قلبك وسرعة تنفسك.. إن اقترب منك لا تطلق ساقيك للريح لأن الكلب أسرع من الانسان.. سيمزقك حتماً بين أنيابه...
أقترب مني كثيراً كان خلف ظهري تماماً ... توقفت حتى عن التنفس... تُرى ما الذي يمكن أن يحدث الآن.. لماذا لا أركب "مريات الجنب" لأتمكن من رؤية ما يدور خلف ظهري... استمر في ضحكه الهيستيري... الآن لا يمكنني تجنب الموت... توقفت أنفاسي... توقفت ضربات قلبي.. توقف الزمن... فكرت في كل الاحتمالات.. هل يمكنني أطلق ساقاي الآن؟.. مازال البيت قريب على بعد 10 أمتار فقط... لكني أصبت بشلل مؤقت... هل يمكنني الصراخ الآن؟؟ ربما يخاف.. ربما يتجمع الناس... لكني أصبت بخرس مؤقت أيضاً... لم أركض.. لم أصرخ.. كان موقفي ثابتاً تماماً.. "لو لم تكن شجاعاً فعلاً فقط تظاهر بذلك لن يعرف الناس الفرق" ... لابد أنه يخاف مني الآن كما اخافه تماماً... لم أكن مدركة حينها سبب ضحكه المريب... لم يكن في وعيه .. الآن يمكنه أن يفعل أي شيء... ابتعد... انها معجزة.. لم يحدث شيء.. أتى الميكروباص... قفزت فيه بسرعه.. قفزت إلى جواري الفتاة التي كانت واقفة... أمسكت يدي.. نظرت إليها.. كانت تعتصر معصمي عندما قالت: أنا خايفة قوي.. انتهت حالة الخرس... وجدتني أقول _ ولا أعرف كيف _ "متخافيش.. أنا معاكي"... كيف يمكن لفتاتان ترتعدان من الخوف.. أن يطمئنا لوجودها معاً؟.
خرجت من البيت قاصدة المكان الوحيد الذي أعرفه أكثر من بيتنا "الجامعة" وبصدفة لم تكون متوقعة أبداً التقيت به... مر عامان كاملان على آخر مرة رأيته فيها... "مصطفى" أو الرجل المجنون كما تُطلق عليه السيدات في البلد, إلا أنه لا يعاني خللاً عقلياً, لكنه يُعاني اضطرابات دماغية.... نعم.... أحياناً يُعاني اضطرابات وهلوسة ويُقدم على تصرفات غير مسؤولة ويثير الذعر والرعب في المنطقة... وإن كان هذا هو وصف الجنون فهو إذاً مجنون لكن (عليه حرج) لأنه ليس مريضاً عقلياً أو نفسياً إنما يعاني خللاً في وظائفه الدماغية بسبب ذلك الشيء الذي يتعاطاه والذي تنحصر معلوماتي عنه في أن اسمه يشبه اسم برشام الصُداع....
قبل عامين... عندما رأيت "مصطفى" لأول مرة كان لقاءً عابراً لكن مُعبراً جداً.... كان كُل شيءٍ في مكانه كما هو الآن... موقف العربيات... والقهوة البلدي... وكان مصطفى واقفا إلى جوار السيارة التي أركبها وعندما مررت من جواره أنا وصديقتي سمعته يقول"ربنا يوفقكم" لا لشيئ غير أننا نحمل كتباً مما يدل على أننا طلبة.. ساعتها احترمته جداً وأدركت أنه ليس سوى انسان عادي طيب القلب ربما جنت عليه الظروف وحوله المجتمع إلى بلطجي لكنه لم يكن كذلك... لم نسمع من قبل أن مصطفى قتل شخص أو تحرش به لكنه كان يثير الذعر... كثيراً ما وقف أمام منزلنا تحديداً (لأنه في موقع استراتيجي جداً) ويهلل ويسب ويخلع ملابسه وبستل "سنجة" ويجري خلف الناس في الشارع.. ويصرخ على أؤلئك الذين تجمعو في البلكونات" خشو جوا".. مقترنة بجرعة مكثفة من السباب... وكنت أنا أراقبه من خلف باب البلكونة حتى لا يراني.. ولا أعرف لما كنت أشعر وكأنني أشاهد فيلم لفريد شوقي... وأشعر برغبة جامحة في التصفيق بعد انتهاء العرض.... وأتخيل أنني سأطلب منه في يوم ما بكل أدب "ممكن تمضيلي ع الاوتوجراف لو سمحت" باعتباره بهلوان في سيرك.... وبالنسبة إلي كان شيء جديداً لأول مره أراه في حياتي.....وكنت أعرف أنه مدمن... فاشفق عليه كثيراً.... كيف وصل هذا الشاب إلى هذه الحالة المزرية.... ثم اختفى مصطفى لنعتقد أنه قُبض عليه فيمن قُبض عليهم بعد أن وضعت الثورة أوزارها وتسلم الجيش حكم البلاد إلا أنه ظهر اليوم ليطيح بكل آمالنا في حياة هادئة وليثير الرعب من جديد...
لم أكن خائفة _طبيعي_ وقفت إلى جوار سيدتين وفتاة .. وجدته يقترب منا ويسأل عما اذا كنا ننتظر سيارة , التفت إليه دوناً عن الباقين وهممت بالإجابة... وجدته يضحك بطريقة هيستيرية مريبة... شيءٌ ما خاطئ في هذا الرجل... أقترب مني كثيراً... بدأت أشعر بالتوتر... بل الخوف.. بل كنت أرتعد من الداخل لكني ساكنة وهادئة جداً من الخارج... يقولون أن الكلاب تستطيع شم راحة الخوف.. لذا يمكنها أن تهاجم الشخص الخائف.. عندما ترى كلباً شرس حاول التفكير بأي شيء آخر.. لا تستسلم للخوف.. تحكم في ضربات قلبك وسرعة تنفسك.. إن اقترب منك لا تطلق ساقيك للريح لأن الكلب أسرع من الانسان.. سيمزقك حتماً بين أنيابه...
أقترب مني كثيراً كان خلف ظهري تماماً ... توقفت حتى عن التنفس... تُرى ما الذي يمكن أن يحدث الآن.. لماذا لا أركب "مريات الجنب" لأتمكن من رؤية ما يدور خلف ظهري... استمر في ضحكه الهيستيري... الآن لا يمكنني تجنب الموت... توقفت أنفاسي... توقفت ضربات قلبي.. توقف الزمن... فكرت في كل الاحتمالات.. هل يمكنني أطلق ساقاي الآن؟.. مازال البيت قريب على بعد 10 أمتار فقط... لكني أصبت بشلل مؤقت... هل يمكنني الصراخ الآن؟؟ ربما يخاف.. ربما يتجمع الناس... لكني أصبت بخرس مؤقت أيضاً... لم أركض.. لم أصرخ.. كان موقفي ثابتاً تماماً.. "لو لم تكن شجاعاً فعلاً فقط تظاهر بذلك لن يعرف الناس الفرق" ... لابد أنه يخاف مني الآن كما اخافه تماماً... لم أكن مدركة حينها سبب ضحكه المريب... لم يكن في وعيه .. الآن يمكنه أن يفعل أي شيء... ابتعد... انها معجزة.. لم يحدث شيء.. أتى الميكروباص... قفزت فيه بسرعه.. قفزت إلى جواري الفتاة التي كانت واقفة... أمسكت يدي.. نظرت إليها.. كانت تعتصر معصمي عندما قالت: أنا خايفة قوي.. انتهت حالة الخرس... وجدتني أقول _ ولا أعرف كيف _ "متخافيش.. أنا معاكي"... كيف يمكن لفتاتان ترتعدان من الخوف.. أن يطمئنا لوجودها معاً؟.