الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

أنا مش هذاكر تاريخ

سأعرف أنني أكتب لأتهرب من الدراسة... أكتب بنهم في الساعات الأولى من الصباح... أكتب بشراهة في الساعات المتأخره من الليل... أكتب بتأني وهدوء بينما أشرب النسكافيه قبل المغرب... أكتب لكيلا أجد مساحة خالية في ذاكرتي للعمارة الهيلينية... أو ربما أحتاج إلى افراغ ذاكرتي لايجاد مساحة خالية تكفي فقط لأفهم الفرق بين ال" pitched roof" و الـ "intersected vault" ... لكن لا سبيل لذلك... لا سبيل للمحاولة أصلاً...
يصاحب شراهتي في الكتابة اضطراب حاد في مزاجي... ربما بدأ مفعول النسكافيه... أفقد شهيتي للطعام... أتمنى أن أغلق باب غرفتي وأغلق رأسي على المادة التي أذاكرها لأعرف أن الفرق بين الـ "
pointed arch" والـ"semi dome" هو تماماً كالفرق بين سمكة البيرانا وسحلية الغابات الاستوائية... شتان بين الاثنين ... لكني فقط لا أريد أن أعرف... أتذكر كلمات اسامة منير " مبتحاوليش... مبتحاوليش".
أمي أنا لازم أقولك على حاجة... تسأل بتجهم: حاجة ايه؟... أنا معنديش فرصة إني أنجح السنادي... لازم تبدأو تتقبلو إن يكون فيه واحدة مدبلّرة في العيلة... مهو انا خلاص زهقت وتعبت واللي بيحصل فينا ده كتير... ودون أن أعطيها فرصة للرد...أكمل.. وبعدين أنا هتخرج ازاي في المستقبل الضبابي والسنة اللي مش باينلها ملامح دي.. ولد في سنة أولى شافني وأنا بلون فاتن حمامة قالي"هو أنا ممكن أتعلم رسم الوشوش".. قلتله يابني احنا مبنتعلمش في الكلية دي عاوز تتعلم حاجة خد كورس... وبعدين يعني يا ماما أنا قلتلك من 3 سنين فاتو.... قلتلك حوشي مصاريف الكلية والملازم والماكتات والطباعة وافتحيلي محل أقف فيه.. مش كان زماني دلوقتي عندي سوبر ماركت قد الدنيا... لا أعطيها فرصة للرد على الاطلاق... وبعدين ياماما أختي بتقولي اني هتجوز وأقعد في البيت... أكرر على مسامعها ما قلته سابقاً لنفسي... مش حرام الخمسين جنيه اللي جبت بيها ملازم... مش كنت جبت بيها جيبة... يعني الملازم هتفيدني في ايه دلوقتي لما أسقط... أسكت لترد: والجيبة يعني هتعملك ايه؟؟
ـ هتعملي منظر قدام الناس... هو أنا لما أتخرج من هندسة هلبس الشهادة مثلاً.. الناس مبتشوفش الشهادات .. الناس بتشوف الهدوم اللي الواحد لابسها.... عامة أنا مكنتش عاوزة أدخل الامتحان... بس مش مشكلة أدينا بناخد خبرة للسنة الجاية... وبعدين أنا بقولك عشان تبدأي تتعاملي مع الموضوع عادي .... ثم تركتها وانصرفت الى غرفتي.. ثم الى المطبخ... وأخذت أردد " اصحى يا طالب مصر يا مجدع واعرف دورك في الكلية مهما تذاكر مهما هتتعب تعبك رايح للحرامية" أحب هذا الهتاف بالذات... التعب كله يذهب سُدى لا منا اتعلمنا ولا منا خدنا درجات... أكمل.. وبعدين الولد مات.. مكتوب في نتيجته البقاء لله....تزداد نبرة صوتي حدة وتزداد عصبيتي... أتذكر من الهتاف جملة أخيرة " ولا مستقبل بلا حرية" لا أذكر بقية الهتاف.... أدور في البيت معلنة حالة التظاهر... أردد.. محدش يستغرب لما يلاقيني ماشية بكلم نفسي... ده العادي والله ... ده الطبيعي... الناس كلها بتعمل كده.... الناس كلها بقت ماشية تكلم نفسها.... أنظر لأختي الصغيرة... على فكرة أنا مكنش لازم أشرب نسكافيه.... أتذكر في وقت سابق من هذا العام أحضرت أمي جمهور غفير من الشيوخ ليرقوني لأني كنت مصابة بحالة احباط... هي ظنت أنني محسودة ... أنا ظننت إن عليا عفريت... كنت أراه بين الصحو والنوم... لكن صديقتي "علياء" كانت ترى الموضوع بطريقة مختلفة ... "آية... انتي مش لازم تحبي تاني" ثم تضيف " تعالي نروح حفلة المغنى خانة في الساقية... مهو انتي لازم تخرجي من البيت عشان تخرجي من الاكتئاب اللي انتي فيه"..... يرى "هيثم" الأمر من وجة نظر مختلفة يقول" حولي من القسم أحسنلك... القسم ده انتحر منه ناس كتير.. بلاش توصلي للمرحلة دي".... هنا يأتي رأي "عبد الحميد" منافياً تماماً للآراء السابقة " طب ما نتتحري وتخلصي بدال من الحياة المقرفة دي" نبدأ في مناقشة أساليب الانتحار... أخيراً لا نصل الى طريقة سهلة... أو موتة مريحة بدون ألم "والانتحار أصلاً حرام".... أناقش مع "ياسمين" فكرة فقدان الذاكرة... لربما يكون الحل في أن أنسى كل شيء وأبدأ حياة جديدة كأني شخص جديد... أبحث على الانترنت عن كل ما يخص فقدان الذاكرة.. أخيراً اعرف أنه مرض نفسي... لايمكن لمرض نفسي أن يعالج مرض نفسي آخر.... ثم أكتشف دعوة عامة على الفيس بوك لانتحار جماعي... نعود لمناقشة أساليب الانتحار... يخبرنا "محمود" عن تجربته الفاشلة في الانتحار... يعرض لنا صورته عندما أنزلوه من الدور السادس قبل أن ينط.... يقنعنا في النهاية ان الواحد ممكن يتعايش مع الاكتئاب ويحبه ويقول"ان حياة الفسح والخروجات والتهييس أحسن بكتير من الانتحار" ... ثم نتفق في النهاية على مبدأ "الهكونا متاتا".... يرى الطبيب الأمر من زاوية مختلفة تماماً ... يكتبلي على مقويات وفاتح للشهية ومضاد للاكتئاب مقتنعاً بسذاجة ان هذا كفيل بصرف العفريت..... تستمر أمي في تخريم عيون الناس وحرق العرائس الورقية.... أشاهد الأفلام.. أعيش حياة الهكونا متاتا... أعود لادمان الفيس بوك... يختفي الاكتئاب تدريجياً... أو لنقل أنه يبقى في بياته الخريفي إلى أن يأتي شتاء روسيا وتأتي الامتحانات... ليعود معها عفريت المذاكرة... وأصاب بالجنون في هذه اللحظة تحديداً....  أخيراً يتفتق ذهني عن فكرة خرافية ... " احنا لازم نقدم طلب هجرة لعطارد"... تقول أختي: بلاش أفلام الخيال العلمي.
يأتي أسامة منير مرة أخرى كصوت الضمير... يزعق "مبتحاوليش"... لكن ما الفائدة من محاولة غير مجدية... " أنا بنفخ في قربة مقطوعة يا أستاذ منير"
ـ يبقى تسدي الخرم.
ـ كل ما أسدها من ناحية تتفتح من ناحية تاني.
لماذا أفعل شيء أعرف أن نهايته الفشل... الفشل ... الفشل... أتذكر القبطان عزوز " وانت جاي عند الفشل وبتزعق قوي ليه؟"... أتذكر كريم عبد العزيز في فيلم الباشا تلميذ عندما قل له حسن حسني " بتزعلك يا فاشل.. طيب يا فاشل يا فاشل يافاشل... يا فااااااااااشل" .... أتذكر نصيحة ثمينة كتبتها لأصدقائي محذرةً إياهم من مصادقة " العيال الدحيحة" وأثبت لهم بالبراهين أن الصديق الفاشل هو أعظم الأصدقاء على الاطلاق.. بل هو أعظم منح الرب على هذه الأرض... يغمرني الارتياح لأني أعرف أن لدي أروع الأصدقاء الفاشلين... ولأنني الصديقة الفاشلة المثالية... أقول لإيمان: أنا شكلي هدبلّر السنادي... تقول: لا يا آية انتي هتعدي... أنا اللي شكلي هبيت السنادي.
يتبارى كلٌ منا في اثبات أنه هو الذي سيدبلر بينما سينجح الآخر وكأنها مسابقة.... أخيراً أقول: لازم نسقط مع بعض... النجاح من غيرك ملوش طعم...
أتناول وجبة العشاء... يسود الهدوء البيت.. بعد ساعتين تنام أمي وأخوتي... أجدني وحيدة تماماً متدلية من إحدى المثلثاث الكروية التي تحمل القبة الكبيرة في كنيسة سانت بيتر..... أفتح اللاب وأقرر .. أنا مش هذاكر تاريخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق