الاثنين، 12 مايو 2014

إنني أتآكل

أكره الكتابة لأنها تعيقني عن العمل.. أجدها مضيعة للوقت عندما يكون هناك 20 لوحة يجب أن تسلم في صباح الغد وأنا لدي فكرة رائعة لقصة جديدة.... أكره العمل لأنه يعيقني عن ممارسة الكتابة .. الشيء الوحيد الذي أعشقه في هذا العالم... أقصد الذي كنت أعشقه... الآن أنا أكره كل شيء.
أتذكر كل أحلامي عن نفسي عندما كنت في العشرين... ليس هذه ما وصلت إليه الآن ... أنظر لنفسي في المرآة .. العمر تجاوز الثلاثين بأربعة.. لكن وجهي يبدو كما لو كنت في الخمسين من عمري.. قصصت شعري الطويل.. ضحيت بال60 سم كلهم واكتفيت ب2 فقط لأني لا أجد الوقت الكافي للعناية به... لا أستطيع أن أتذكر متى كانت آخر مرة سمحت فيها لشعري أن يسترسل أو يزاد طولاً... كيف أصبح شعري في نهاية قائمة اهتماماتي... وجهي ليس على القائمة أصلاً... هالة سوداء حول عيني من آثار السهر... تناقص وزني كثيراً في الاعوام الماضية.. أصبحت اشبه المدمنين ومصاصي الدماء... تقريباً ... أصبحت أشبه زها حديد.... كيف تبدو زها حديد بهذا القُبح بينما تبدو مشروعاتها في غاية الروعة... يأتي صوت زميلتي من بعيد "يابنتي المودلز دول مرواهمش حاجة غير شكلهم وشعرهم .. هي دي أهم حاجة عندهم.. هو ده الشغل بتاعهم احنا ورانا شغل وبيوت وهم يقصر العمر"... ربما ليس لديهم أطفال... ربما ليس لديهم مشروعات ضخمة وأكوام من الغسيل والكثير جداً من العمل المؤجل.

أتصل بايمان صديقة الدراسة لنستعيد ذكراياتنا معاً
ـ إيمان احنا ازاي مكناش زي البنات التانيين؟؟
ـ (تضحك بشدة) قصدك ايه يعني يا آية ؟؟
ـ كنت دايما بسمع البنات بيتكلمو عن ستايلات الطرح أو الشنط أو الجزم وتلاقي البنت بتقول لصاحبتها ابقى رجعي الجيبة الروز.. ابقى هاتيلي الشيميز الكاكي.. في لون اسمه كاكي يا ايمان!!
ـ (تضحك أكثر) .. وتضيف.. آه واحنا طول الوقت بنتكلم في الأبحاث ونبدل مع بعض الكتب واللوح.

كانت هناك محاولة واحدة فاشلة لأغير اهتماماتي ولأبدأ التفكير في أشياء أكثر أهمية من قراءة الكتب وحضور الندوات ورسم اللوحات وهو الاهتمام ببشرتي وهو أمرٌ لو تعلمون عظيم وواجب قومي واجتماعي لابد منه وبدأت حينها الصراعات الفكرية.. والمشكلة الأزلية الأبدية ليست نقص الموارد إنما تحديد الأولويات.. كيف يمكنني أن أنفق 50 جنيه لشراء غسول الوجه وباقي تلك الأشياء الغريبة :\ طالما يمكنني ان أشترى 3 كتب على الأقل بهذا المبلغ نفسه والفرق أن الكتب ارث ثقافي وحضاري سيبقى للأولاد من بعدي... لكن هناك حل وهو أن أستعمل الماسكات المُحضرة منزلياً... يعني أحط عسل نحل على وشي!! والله أنا لو لقيت عسل نحل هاكله مش أحطه على وشي.
وتركت هذا الأمر للمستقبل .. ككل الأمور التي تركتها وكنت أظن أن اهتاماتي ستتغير من تلقاء نفسها بعد الزواج.. لكني أدركت أنه من شب على شيء شاب عليه.. وأن اهتماماتي هذه لن تتغير أبداً... وإن الكيرف دايما في النازل...
زوجي العزيز .. نصيحة غالية اقدمها لك (متتجوزش مهندسة).

لكني بالرغم من هذا لم أعد كما كنت في السابق... موهبتي الأدبية تتآكل لأني لا أجد الوقت الكافي للمارسة الكتابة أو تعلم الأساليب الجديدة أو مجارات النتاج الأدبي المعروض في الأسواق.. وليس هناك وقت لحضور ندوة .... دائماً ليس هناك وقت لكل الأشياء التي نحبها.. بينما نمضي كل الوقت في عمل أشياء لا نحبها.

أنا الآن في منصف عامي الواحد والعشرين... أركض خلف حلم بعيد باهت... أخاف من المستقبل لدرجة لا تمكنني من عيش الحاضر... موهبتي الأدبية تتآكل .. الآن... ليس الآن وحسب.. بل بداية من الوقت الذي أصبح فيه الحصول على الدرجات هو أهم شيء في العالم... تحديداً في مرحلة الثانوية العامة عندما توقفت عن ممارسة كل شيء أحبه من أجل أن اركز في المُذاكرة... ولأنه لايمكنك أن تتوقف عن شيء تحبه.. ولا يمكنك أن تتوقف عن الكتابة.. أصبحت أكتب عندما تشدني الفكرة.. ثم ألعن ما كتبته لأنني أضعت وقت ثميناً كان ينبغي أن أنهي فيه واجب مادة الفيزياء... الأمر نفسه يتكرر بشكل مستمر.. والمنحنى آخذٌ في الهبوط... المشكلة الآخرى أنني لا أجد الوقت الكافي للقراءة وأن لغتي نفسها تآكلت وأنني أصبحت كاتبة لا تجد الكلمات التي تكتبها.... وعلى الصعيد المعماري أنا فاشلة تماماً في الدراسة.. الكيرف ينزل في الاتنين :\

تسألني سماح " انتي دخلتي عمارة ليه؟؟ " ... يقلب السؤال رأسي وأجدني أقلب في كل المذكرات التي كتبتها وفي كل الملفات المحفوظة في الذاكرة إنه السؤال الذي أسأله لنفسي كل يوم ولا أجد اجابة مقنعة أو حقيقية ... مازلت لا أعرف ما هي الاجابة الصحيحة... مازلت أبحث.. " إنني أتقدم... ولكني لا أصل".... أجيب بكلام كثير لا أذكره الآن... وفي النهاية أقول.. " أنا أصلاً مكنتش عاوزة أدخل عمارة " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق