تبدو أفلام الرعب أكثر رعباً عندما تحدث أمام بيتك... وخاصة عندما تتساقط قطرات الدماء على عتبة البيت... كنت على وشك اكتشاف سر خطير في قصة بريئة أخرى من قصص أحمد خالد توفيق الخيالية التي لا تمت للواقع بصلة؛ فلايوجد أكلة لحوم في مصر ولا الأشباح تدخن التبغ....
كان بطل الرواية يحوم حول المكان وإذا به يسمع أصوات غريبة بالداخل... اقترب ليسمع بوضوح... ازداد صوت الجلبة... نساء ورجال تصيح.... أصوات متداخلة, لا يستطيع تبين الكلمات... أصبحتُ أنا أيضاً أسمع الضجة... اقتربت الأصوات وبدأت تتضح شيئاً فشيء (ارمي السلاح اللي في ايدك... وديني لأربيه... أنا هجيبلك حقك... ياخرااااااااابي ... يالهوي.... ارمي السلاح اللي في ايدك... يابن الـ******.....
إنها ليست هلوسات بسبب القراءة... سكين طوله حوالي نصف متر وعصاه طويلة وغليظة ورجلٌ ينزف من يده ويصيح ويسب بأقذع الألفاظ, يحيط به حشد كبير من المخلصين والمتفرجين والخصوم والكل لا عجب في يده سلاح... إنها ليست بالشيء الخطير... مشاجرة بالأسلحة البيضاء بين مجموعة من المدمنين ومجموعة أخرى من المدخنين والسبب إن لم يكن النصب والاحتيال فهو حتماً بيعة حشيش مغشوش وربما معاكسة فتاة ضالة.. لا أحد يدري ربما مجرد احتداد في النقاش... كلها أمور عادية تحدث يومياً ولا تُسمى بأفلام الرعب .. صحيح يروح ضحيتها ثلاثة على الأكثر بالإضافة لبعض الخسائر المادية... مخيفة أحياناً لكنها ليست مرعبة .. من قال أن أفلام الرعب قد تحدث في الواقع؟؟
المشاجرات استرداد حق... الموت قضاء وقدر + مكتوب علينا... في هذه البُقعة الآمنة من أرض مصر لا داعي للرعب والهلع فالمشاجرات بالأسلحة وتكسير المحلات أمرٌ عادي, فقط تأكد ألا تشتري من المحل أثناء تكسيره _ انتظر قليلاً_ ... إذا رفع عليك أحد السلاح في حارة ضيقة أثناء ذهابك للدرس الخصوصي فما عليك إلا أن تعطيه كل ما معك من مال (مصروفك+ تمن الحصة) إن لم يفي هذا بالغرض اعطهم ملابسك أيضاً... كن مُتأكداً أنهم لن يمسوك بسوء... هم لا ينتوون خطفك وتشويهك وجعلك تشحذ في الشوارع.. بالفعل لديهم ما يكفي من المشوهين...... في هذه البُقعة الآمنة من أرض مصر لا يحدُث الخطفُ أبداً... فقط يتوه الأطفال ولا يعودون أبداً... الأُمهات عادة ينسون غلق الأبواب بالمفاتيح عند خروجهن للعمل!!.... أما عن القتل.... فلم يحدث هنا سوى مرتان فقط في حياتي كُلها.... في المرة الأولى حدث الأمر بسرعة جداً.. تشاجر شابان ولا نعرف السبب. أخرج الأول مطواة من جيبه وطعن الثاني ثلاث طعنات. حاول الثاني الهرب ولاذ بأحد البيوت القربية المفتوحة. تبعه الأول بسرعة شاهراً مطواته. وجد الثاني ماسورة حديد في مدخل البيت انهال بها على الأول ضرباً بقوة.. لم يتوقف إلا عندما وجده جُثة هامدةٌ بين يديه.... هذا يحدث عادة عندما تُهدد بالقتل ولا تجد مفراً أمامك... إما أن تَقتُل أو تُقتَل... إنها الحياة بدأت بالقتل ولابد أن تنتهي بالقتل... وليس البشر هنا "هابيل" ... إنهم لا يقولون (لإن بسطت يدك لتقتلني ما أنا بباسط إليك يدي لأقتلك) بل يقولون ( إن أغضبتني سأقتلك وأقطعك إرباً وأشرب من دمك)... هرب الأول بعدما قتل الثاني ويُقال انه مات أيضاً مُتأثراً بجراحه... جريمة قتلٍ مزدوجة... واستيقظ أصحاب المنزل ليكتشفوا جثة قتيل بالمدخل... ماذا ستفعل لو استيقظت في صباح يومٍ جميل وارتديت ثيابك ونزلت ذاهباً للجامعة وإذا بك تُفاجأ بجثة في مدخل البيت؟؟
إنها الأبواب مجدداً... لماذا لا يوجد قانون يمنع الناس من ترك أبوابهم مفتوحة؟... ... هذا لا يدعو للرعب والهلع تأكد من أنك لا تُتاجر في المخدرات ولا تتشاجر مع من يحملون مطواة في جيوبهم ولا تترك باب بيتك مفتوحاً وستكون بخير... ...
جريمة القتل الثانية لم تكن بهذه البشاعة فقط... امرأة مُطلقة سيئة السُمعة لديها ابنتان أكبرهما تصغرني بعامين, كانت ترتاد نفس المدرسة الاعدادية التي أرتادها.. لم تربطني بها أي علاقة سوى أنني عرفت اسمها بحكم الجيرة وكل ما أعرفه عنها أنها حملت من خطيبها قبل الزواج ثم في يوم من الأيام سمعتُ شجاراً بينها وبين أُمها في الخرابة التي خلف منزلنا... تعرفون شجار الحريم... شتائم بذيئة وتقليع شعر.. وانتهت المشاجرة بأن تركت البنت بيت أمها وذهبت لتعيش مع خطيبها (قبل الزواج) , أما عن المرأة نفسها فقد شوهدت عدة مرات أثناء الليل مع عشيقها في نفس الخرابة مؤكدة على مبدأ (اقلب القدرة على فومها) ثم تزوجته بعد أن طلق زوجته الأولى التي أنجب منها ولدان.. أصغرهما في الرابعة والآخر في الخامسة... أطفال أبرياء!... أصغرهما مُصاب بفرط الحركة والدواء الذي يتعاطاه يسبب نمواً غير طبيعي في عضلاته ويصعب السيطرة عليه عندما يغضب, وأكبرهما أشقى من أن يكون عفريت وأطيب من أن يكون بشراً.. عرفت هذا عندما كانا يدرسا بالحضانة التي أعمل بها... ... تذكّر..القاعدة الرابعة المهمة لتكون بخير في هذه البُقعة الآمنة من أرض مصر إذا كنت تعمل بحضانة تستقبل أبناء المطلقات..تأكد أن تسلمهم لأُمهم في كل مرة ولا تسلمهم لأبيهم أبداً مهما حدث ومهما فعل... وبرغم براءة هؤلاء الأطفال إلا أنهم كانو سبباً في كرهي لأطفال العالم أجمع وفي تركي للعمل أيضاً... ...
تبدو أفلام الرعب أكثر رعباً خاصة عندما تسمع صرخة مكتومة آتية من عند الجيران في جوف الليل... صُراخ متواصل طوال ليلتين.... كُن متيقناً أنك لا تسمع هذا وحدك فالجميعُ يسمعه... ... جاء طليقُ تلك المرأة بعدما تزوجت ليطالبها بحقه في المال... أي مال؟؟؟... المال الذي أخذته من زوجها الجديد مقابل أن تتزوجه.... كانت صفقة ثلاثية بين رجلان وامرأة.. الأول يدفع للثاني وزوجته مُقابل أن يُطلقها له.. طلّق الثاني زوجته.. تزوجت من الأول.. أخذت المال ورفضت أن تُعطي طليقها نصيبه... جاء إليها مُطالباً به.. تحالفت مع زوجها.. دعته للعشاء.. تشاجرت معه.. ضربته هي وزوجها.. قيدته.. حبسته.. لاطعام ولا شراب لمدة ثلاثة أيام.. .. الله وحده يعلم أي نوع من أنواع التعذيب مارساها عليه... الجيران كلهم يعرفون.. كلهم رأو الرجل يدخل ولم يره أحد يخرج.. الكل سمع صراخة ليلاً.. الكل رأى جثته تخرج من الشارع.. الكل يعرف أن ثمّة جريمة قتل حدثت هنا لكن لا أحد يتكلم ولا أحد يُبلغ الشرطة... ... في هذه البُقعة الآمنة جداً من أرض مصر لا تُخبر الشرطة بأي شيءٍ يحدث.. لا تُطلق زوجتك... يُفضّل ألا تتزوج أصلاً وستبقى بخير... ...
خلال حياتي كُلها لم تشهد هذه البُقعة الصغيرة التي يطل عليها شباك منزلنا سوى جريمتي قتل فقط أي بمعدل 1/9 جريمة/عام... شيءٌ لا يُذكر على الإطلاق ولا يدعو للرعب أبداً... ... إلا أن أفلام الرعب تبدو أكثر رعباً عندما تحدث أمام بيتك وخاصة عندما تتناثر الدماء على عتبة البيت وبالأخص عندما يقترب حاملي الشوم والعصي والسكاكين والمواسير الحديد من متجرك الصغير ولا سيما لو كان هذا المتجر هو كُل ما تملك في هذه الدُنيا... ومع هذا لا شيء يدعو للرعب والهلع... فقط تأكدتُ أن باب البيت مُغلق وأدخلت الفاترينة الزجاج إلى داخل المحل ودخلت أنا أيضاً وأغلقت على نفسي الباب ولأنه لا يٌقفل إلا من الخارج وضعت الفاترينة خلفه وجلست على الأرض مُسندة ظهري إلى الفاترينة... ... أنا واثقة ٌ من أنني سأكون بخير.. سينتهي الشجار وسيرحلون من أمام البيت وسأخرج من المحل لأمسح الدماء من على العتبة... دماءٌ بريئة نزفها الرجل الذي يحمل السكينة بطريقة خاطئة... ... صدقني لا شيء يدعو للرعب والهلع... إياك أن تصدق ان قصص أحمد خالد توفيق قد تحدث في الواقع؛ مصر ليس بها أشخاص مولعون بتفجير أنفسهم ولا رجال يضربون أبنائهم حتى الموت ولا أموات ترسل خطابات للأحياء... ...
في هذه البُقعة الآمنة جداً من أرض مصر وفي مصر كلها.. بل في العالم كله.. تأكد أنك لا تُتاجر بالمخدرات.. ولا تتشاجر مع المسلحين.. ولا تعقد صفقة مع رجل غريب لبيع زوجتك.. ولا تركب ميكروباص أو توكتوك بمفردك.. ولا تلبس اكسسوارات باهظة الثمن.. ولا تمشي في حارات ضيقة أثناء ذهابك للدرس.. وألا تقبل دعوة طليقتك للعشاء.. وستكون بخير... ... آه كدت أنسى.. ثمة قاعدة واحدة أخيرة.. تأكد أنك لا تكتب عما لا يُعجبك.. وإن كنت تفعل تأكد أنك لا تستطيع النشر.. وإن كنت تفعل فتأكد ألا تستعمل اسمك الحقيقي..
آية
عزت